في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق العالمية ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع الأساسية للقمح والأرز والسكر, والذرة والقطن وانعكاسات ذلك علي ارتفاع اسعارما نستورده من بعضها في الأسواق المحلية,
شهدت أيضا الأسواق المحلية ارتفاعات كبيرة في أسعار الخضر والفاكهة والبقول والأرز والسلع الأساسية, والتي ننتجها محليا ونحقق اكتفاء ذاتيا فيها, فبسبب موجة حارة استمرت أسبوعا خلال شهر يناير الماضي انخفض محصول القمح المحلي إلي النصف, ولم يورد للدولة سوي2,1 مليون طن من المستهدف المقدر بأربعة ملايين طن.
وبسبب موجة حارة أخري خلال شهر مارس لم تشهد الأسواق المصرية أي وجود للفاكهة المبكرة لأشجار الحلويات من المشمش والخوخ والبرقوق والتفاح البلدي بسبب دمار لكامل محصول هذه الأصناف الأربعة, ثم تأتي الموجة الحارة الرطبة الأخيرة التي شهدتها بدايات شهر اغسطس مع دخول أحد مواسم ذروة استهلاك الغذاء في مصر, وهو شهر رمضان وأتي بعده مباشرة الموسم الثاني لهذه الذروة, وهو موسم دخول المدارس والجامعات بما أدي إلي حدوث سعار في أسعار جميع الخضراوات والفاكهة, والبقالة دون استثناء, وإلي الدرجة التي لا تتناسب مع متوسطات الدخول للعامة بما أوجد موجة من عدم الرضا والغضب في ظل الارتفاعات الخيالية في اسعار اللحوم والدواجن, إلقاء العبء كاملا علي الموجة الحارة ليس من العدل لأنه طوال سنوات خمس والهيئة الحكومية الدولية ولتغيرات المناخ توضح تأثير تغيرات المناخ في جميع مناطق العالم كل علي حدة علي انتاج الخضر والفاكهة. وعلي إنتاج الحبوب والبقول, وعلي الانتاج الحيواني والداجني والسمكي ثم علي سلسلة إنتاج الغذاء ومستقبل الأمن الغذائي, وتضع الحلول المناسبة للتعامل مع تكرار الموجات الحارة الرطبة, فعندما ترتفع أسعار الطماطم والفاصوليا الخضراء إلي خمسة عشر جنيها للكيلو جرام, وترتفع معهما باقي أسعار الخضراوات الصيفية مثل الباميا والكوسة والخيار إلي أفاق لم تصل إليها من قبل, وعندما تصل أسعار الجوافة التي تعد فاكهة الفقراء إلي ثماني جنيهات والكمثري إلي12 والمانجو والعنب إلي عشرين جنيه فهذه تعد ثورة في أسعار هذه الأساسيات لا يتحملها الأغلبية المطلقة, كما أنها لم تحدث في دول الجوار باستثناء أسعار الطماطم فقط, فزراعاتنا مروية, وتحت السيطرة وتأثير الموجات الحارة يمكن أن يخفض من انتاجية الزراعات المروية بنسبة20% فقط وليس بنسبة90%, كما حدث معنا وإنخفض معها محصول فدان الطماطم إلي5 أطنان فقط بدلا من المتوقع بخمسين طنا.
ويعد غياب أسس التعامل مع تكرار الموجات الحارة الرطبة هو السبب الرئيسي في ارتفاع الاسعار, وليس الموجات الحارة نفسها, والتي حملت وحدها مسئولية ارتفاع الأسعار, فمن المتعارف عليه علميا أن إرشاد المزارعين خلال الموجات الحارة بتقريب الفترة بين الريات لتعويض الزيادة في فقد المياه بالبخر من التربة والنبات والتحول إلي الري الليلي فقط لعدم إجهاد النبات بالري أثناء ارتفاع الحرارة وحرمانه من هواء التربة الذي يحل محله مياه الري.
واستخدام مثبتات العقد للخضر والفاكهة مثبتات الثمار الصغيرة التي تكونت توا حتي لا تتساقط بفعل الجفاف والحرارة وفقدها للمياه, ثم الرش المسبق الوقائي للأمراض خاصة البياض والعنكبوت الذبابة البيضاء المسببة لمرض تجعد أوراق الطماطم وشللها ومعها المقاومة الفعالة للحشرة الجديدة المقبلة من ليبيا, والتي تضر تماما بمحصول البطاطس والطماطم والباذنجان والفلفل, وغيرها من حاصلات الخضراوات, ولكن دور الإرشاد الزراعي الغائب تماما بسبب التقليص المتتالي لميزانية وزارة الزراعة جعل وصول هذه المعلومة إلي المزارعين غير ميسر, وبالتالي وجد الفلاح نفسه وحيدا أمام موجة تتطلب حلولا علمية متقدمة ومستحدثة غائبة عنه.
ثم يأتي السبب الثاني, وهو فوضي أسواق المبيدات في الأسواق المحلية, فالكثير منها منتهي الصلاحية أو مغشوش, وبدون مادة فعالة, والأمر يتطلب وقفة جادة لتشديد الرقابة علي هذه الأسواق لأنها تعني استنزاف أموال المزارعين في سلع تتسبب في زيادة إصابة محصولهم ودماره دون رقابة أو محاسبة, يأتي بعد ذلك نقطة غاية في الأهمية في ضبط وحوكمة أسواق التجزئة وهي إلغاء التعاونيات الزراعية الحكومية والأهلية, والتي كانت ترفع شعار من المنتج إلي المستهلك, فتوفر السلعة بسعر مناسب للمستهلك ولا تجور علي المزارع وتقلل من حلقات التجارة الخاصة, والتي يتم فيها استغلال المزارعين لمصلحة حفنة من التجار في سلسلة تشمل تحقيق أرباح لأربعة من التجار تستنزف المزارع الواحد بدءا من تاجر الحقل إلي تاجر أسواق الجملة ثم إلي تاجر نصف الجملة لكل منطقة أو حي وانتهاء ببائع التجزئة داخل أسواق الأحياء بما يصل بالسلعة إلي المستهلك بأسعار تتراوح بين خمسة إلي عشرة أضعاف شرائها من الحقل كيلو الباذنجان الرومي يباع في الحقل بربع جنيه للكيلو جرام, ويباع للمستهلك بجنيهين ونصف بما يوضح الدور المفقود للتعاونيات الملغاة, ويستوجب إعادة النظر في عودة هذه التعاونيات الأهلية, ودعم الدولة لدورها المهم ليعمل بها شباب الخريجين لإعادة انضباط الأسواق, وتوافر منافذ البيع لهذه السلع في مختلف المدن والقري والأحياء.
مستقبل الأمن الغذائي المصري وتطبيق حديث العلم والاعتراف بتغير المناخ واقعا علميا يتطلب الاتجاه فورا إلي نظم تحديث الزراعة المصرية وعودة الدور المفقود للارشاد الزراعي والتعاونيات.