زراعة الأسماك فوق أسطح المنازل ..
بعد النجاح الذي حققه مشروع زراعة الخضراوات فوق أسطح المنازل الذي نفذه المعمل المركزي للمناخ الزراعي المصري بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة "fao" يجري -حاليًّا- بالمعمل تنفيذ مشروع آخر يعتمد على الاستفادة من إمكانيات المشروع الأول؛ وهو إنشاء مزارع للأسماك فوق أسطح العمارات تعطي إنتاجًا طازجًا من الأسماك خالية من أي ملوثات.
تعود فكرة هذا المشروع -كما يقول د.أسامة البحيري -رئيس قسم الزراعة بدون تربة بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي- إلى 15 عامًا مضت، عندما تقدم أحد الطلاب بكلية الزراعة بجامعة عين شمس بفكرة لإدارة الكلية تسمح باستغلال أسطح مباني الكلية لإنشاء أحواض خشبية لتربية أسماك البلطي.. كانت بدايات المشروع مشجعة، إلا أنها ما لبثت أن توقفت لأسباب تتعلق بالصرف الصحي؛ لأن مخلفات الأسماك من غاز الأمونيا كانت تسبب مشكلة أثناء تجديد مياه الأحواض؛ حيث تساعد على نمو الطحالب؛ وهو ما يؤدي إلى انسداد المواسير والتأثير بالسلب على الصرف الصحي.
ولكن عندما بدأنا في تطبيق مشروع زراعة الخضراوات فوق الأسطح -والكلام ما زال للبحيري- فاجأنا الباحث أحمد توفيق بالقول: إن أحد أنظمة الزراعة فوق الأسطح تسمح بالتزاوج بينها وبين تربية الأسماك.
وكانت فكرة الباحث أن هذا النظام سيحل مشكلة غاز الأمونيا الذي تسبب في توقف الفكرة من 15 سنة؛ حيث ستعمل النباتات المزروعة في بيئة "البرليت" أو "البيتموس" البديلة للتربة الطبيعية على تنقية المياه من غاز الأمونيا الذي سيقوم بدور السماد الحيوي لتلك النباتات، وبالتالي لن نكون بحاجة إلى تغيير المياه كما يحدث بمزارع الأسماك العادية، وفي الوقت ذاته سيحصل السمك على جزء من احتياجاته الغذائية والأوكسجين عن طريق ما تفرزه جذور النباتات بالماء.
الفكرة كانت منطقية؛ ولذلك قام القسم بعرضها على د.أيمن فريد أبو حديد -رئيس المعمل- الذي طالب بإجراء دراسات مستفيضة حول هذا الموضوع.. وبالفعل قام القسم بإجراء هذه الدراسات التي كشفت عن عيب جوهري كاد يقضي على الفكرة برمتها لولا أن حماس الباحث لفكرته جعله يتابعها حتى يقضي على هذا العيب.
هذا العيب كان يتمثل في أن زيادة كمية الأسماك في بعض الأحواض كان يؤدي إلى خروج كمية كبيرة من غاز الأمونيا أكثر من احتياجات النبات؛ فكان يترسب على جذور النبات ويؤدي إلى اختناقها. ولحل هذه المشكلة تم التوصل إلى تصميم مناسب يراعي العلاقة بين مساحة الحوض وكمية الأسماك التي يتم وضعها.
كيف تزرع الأسماك؟
مضخة الهواء مهمة لإمداد ماء الحوض بالأوكسجين
وعن كيفية عمل نظام زراعة الأسماك على الأسطح يقول الباحث أحمد توفيق صاحب الفكرة: إن النظام يتكون من حاويات بلاستيكية مملوءة بالماء بطول مترين، وعرض متر واحد، وسُمك 40سم؛ حيث تأخذ حوالي 400 لتر مياه ينمو فيها السمك، ويتم ضخ هواء داخل الماء عن طريق مضخة هواء صغيرة لإمداد الأسماك بالأوكسجين اللازم، ثم يتم رفع المياه بواسطة مضخة صغيرة لتمر على النباتات النامية في المنضدة المملوءة ببيئة "البرليت"، فيتم حجز المواد العضوية على بيئة البرليت، ويقوم النبات بامتصاص الأمونيا الناتجة من إفرازات الأسماك، ثم يعود الماء مرة أخرى إلى حوض الأسماك نظيفًا خاليًا من المواد العضوية، وبالتالي لا نحتاج إلى تغيير المياه، بل يتم إضافة مياه خالية من الكلور لحوض السمك مباشرة كلما نقص ماؤه.
ويتم تربية 100 - 150 سمكة في كل 400 لتر ماء، وهذا ينتج حوالي 30 - 35 كجم من الأسماك خلال فترة من 4 - 6 أشهر، وتختلف طبقًا لاختلاف حجم الزريعة التي تبدأ بها الزراعة.
وقد كان الاعتقاد السائد أن هذا النظام لا يصلح إلا مع المحاصيل الورقية كالخضراوات، إلا أن تجارب أجريت عليه مؤخرًا أثبتت فاعليته مع المحاصيل الثمرية كالفراولة. كما أنه يلائم كافة أنواع الأسماك؛ حيث تمت تجربته مع أسماك البلطي والبوري والثعبان والجمبري.
احصل على احتياجك من الأسماك من فوق سطح منزلك
ومن خلال ما سبق -والكلام لا يزال للباحث- يتضح لنا أن هذا النظام له العديد من المزايا التي تجعله يفوق مزارع الأسماك العادية؛ فهو إلى جانب إعطائه إنتاجًا من الأسماك خالٍ من الملوثات فهو يوفر المياه؛ فلن تكون هناك حاجة إلى تغيير المياه بصفة يومية، كما تتم الاستفادة من مياه حوض الأسماك في ري المزروعات، أيضًا يوفر في كمية الأعلاف التي توضع للأسماك؛ لأن جزءًا من تغذية السمك يعتمد على ما تفرزه جذور النباتات. وأخيرًا فإنه يعطي خاصية تكثيف الاستزراع السمكي.
وعن تطبيق هذا النظام يقول د.أيمن فريد أبو حديد -مدير المعمل المركزي للمناخ الزراعي-: إنه بعد اكتمال صورة هذا النظام وتجربته بدأنا في تنفيذه؛ حيث تم تطبيقه ببعض المنازل التي تم زراعة سطحها بنظام البرليت، كما قام المعمل بتنفيذه بأحد الفنادق بالساحل الشمالي بعد أن وجدت إدارة الفندق في هذا المشروع وسيلة تمكنها من الحصول على احتياجاتها من الأسماك الطازجة. بالإضافة إلى ذلك سيعقد المعمل اجتماعًا مشتركًا مع مسئولي وزارة الزراعة قريبًا لتحويل هذا المشروع إلى مشروع قومي مصري يتم تنفيذه على أسطح المدارس ومراكز الشباب والمباني الحكومية للوزارات.