من الأوضاع العجيبة أن البحار والمحيطات التي بدأت فيها الحياة الأولى منذ بلايين السنين ، واستمرت الحياة قاصرة عليها لمدة تصل إلى 90% من تاريخ الحياة على الكرة الأرضية ، أصبحت الحياة فيها مهددة الآن ، نتيجة لنشاط أحد سكان الكوكب الأرضي الذي يعيش في اليابسة ؛ الإنسان الذي تكاثرت أعداده تكاثراً سريعاً ، خاصة في القرن العشرين أصبح هو المهدد للحياة البرية ... زيادته الرهيبة واستهلاكه المتصاعد وتوسعه الزراعي والصناعي والعمراني وخاصة في الأراضي الساحلية ، أدى إلى حدوث درجات من التدمير البيئي والتلوث الساحلي .
تبين من بعض الدراسات أن أكثر من نصف سكان العالم يعيشون في القارات في حدود 100 كيلومتر من السواحل ، كما تبين أن معدلات الزيادة السكانية في المدن الساحلية تزيد عن معدلات الزيادة العالمية ، وأن أكثر المدن الجديدة تنشأ قريباً من السواحل . كذلك فقد وجد أن تسعة مدن من أكبر عشرة مدن في العالم هي مدن ساحلية ، وأن المدن الساحلية تزداد في الخلجان وعند مصبات الأنهار ، إذ أن تلك المناطق تتناسب مع إقامة الموانئ ورسو السفن .
يبدأ معظم التلوث في مياه البحار والمحيطات من مياه الأنهار التي تصب فيها ، والتي عادة ما تكون محملة بنواتج الصرف الصحي والصناعي والزراعي للمدن والقرى التي تمر عليها ، وكذلك من الصرف المباشر للتجمعات السكانية والصناعية على البحار والمحيطات . وقد قدر أن مخلفات الصرف الصحي التي تنتج عن مجمع سكاني به مليون شخص يزيد عن 250 ألف متر مكعب يومياً ، وأن اللتر الواحد من هذه المياه تحتوي على 2 إلى 3 بليون ميكروب ، ولك أن تتصور مدى التلوث الميكروبي الحادث ، ومدى تأثير ما بتلك المياه من ميكروبات مرضية على القاطنين بالسواحل والمصطافين ، خاصة أن كثيراً من الميكروبات المرضية تلوث بعض الكائنات البحرية التي قد تؤكل نيئة كبعض الأصداف والمحارات البحرية .
نتيجة لهذا التلوث الميكروبي تتضح مدى الخطورة في انتقال ميكروبات الكوليرا والتيفود ومسببات الإسهال إلى الإنسان من المياه الساحلية لحوض البحر الأبيض المتوسط ، والذي يقطن سواحله حوالي 100 مليون شخص ، أي أن صرفهم الصحي يقدر بأكثر من 25 مليون متر مكعب يومياً ، والذي يصرف معظمه في البحر ، وأن 33% من هذه المياه غير معاملة بتاتاً . فمن المعروف أن حوالي 120 مدينة مطلة على سواحل البحر الأبيض المتوسط تصب مياه صرفها الصحي دون معالجة أو بمعالجة مبدئية فقط في مياه البحر . تجذب شواطئ البحر الأبيض المتوسط سنوياً من 100 مليون إلى 150 مليون سائح ، أي بما يعادل 35% من مجمل السياحة العالمية . لا تقتصر أضرار التلوث بالبحر الأبيض المتوسط ، وهو بحر شبه مغلق ، عن طريق النشاط الإنساني بالأراضي الساحلية على الصرف الصحي ، بل يتعداه إلى الصرف الصناعي الناتج عن نشاط حوالي 150 ألف منشأة تصب مياهها في البحر ، وتقدر مياه الصرف الصناعي التي تصب بالبحر بما يزيد عن مليون طن يومياً .